کد مطلب:280402 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:261

السقوط فی الفتنة
حذر الأنبیاء والرسل علی امتداد المسیرة البشریة من إلقاءات الشیطان. وبینوا أن ما یلقیه الشیطان ما هو إلا فتنة تصیب الذین فی قلوبهم مرض والقاسیة قلوبهم. لیكونوا علامة سوء علی امتداد الطریق كی یحذر الناس برامجهم وأطروحاتهم، والقرآن الكریم بشر الذین فتنوا المؤمنین والمؤمنات ولم یتوبوا بعذاب جهنم، وفی عالم الفتن انطلقت المسیرة الإسرائیلیة بعد عهد السبی تبشر بالمسیح المنتظر الذی یعید مجد المملكة الداوودیة، وتولی التلمود عملیة التبشیر، وللیهود تلمودان، الأول: التلمود الاورشالیمی. وقد وضعه أحبار الیهود فی أورشالیم، والثانی: التلمود البابلی وقد وضعه أحبار الیهود فی بابل، ویزعم كثیر من الیهود أن موسی تسلم القانون المكتوب علی ألواح الحجر، كما تسلم من الله تفسیرات وشروحا لهذا القانون. وهو ما یدعی بالقانون الشفهی، [1] وذكرت مصادر أخری أن فرقة الفریسیین



[ صفحه 102]



الیهودیة التی ظهرت قبل میلاد المسیح ابن مریم علیه السلام بمائتی عام، هم الذین ابتدعوا القانون الشفهی. وهم الذین وضعوا التلمود. [2] .

ونظرا لما أنتجه التحریف من تناقض وما أنتجه التلمود من اختلافات. ارتقی الأحبار منزلة كبیرة بین الشعب، وكانت مهمتهم النزول علی الشعب بتفسیراتهم للتلمود، وهی تفسیرات لا ینبغی أن یناقشها غیرهم، ومن أجل هذه المهمة رفعهم التفسیر التلمودی إلی مكانة عالیة، قال إن تعالیم الحاخامات لا یمكن نقضها ولا تغییرها، [3] وقال من احتقر أقوال الحاخامات استحق الموت. ولیس كذلك من احتقر أقوال التوراة. ولا خلاص لمن ترك تعالیم التلمود واشتغل بالتوراة فقط، [4] وقال الحاخام روسكی: التفت یا بنی إلی أقوال الحاخامات أكثر من التفاتك إلی شریعة موسی، [5] وجاء فی كتاب كرافت المطبوع سنة 1590: إعلم أن أقوال الحاخامات أفضل من أقوال الأنبیاء، [6] وقال الحاخام فی أقوال الحاخامات المناقض بعضها بعضا إنها كلام الله مهما وجد فیها من تناقض، فمن لم یؤمن بها أو قال إنها لیست أقوال الله. فقد أخطأ فی حق الله. [7] .

ومن أقوال الحاخامات فی شعب الله المختار: تتمیز أرواح الیهود عن باقی الأرواح بأنها جزء من الله كما أن الابن جزء من



[ صفحه 103]



والده، [8] ولهذا اختار الله الجنس العبری لیكون منه شعب الله المختار، وأعطی الله میثاقه لهذا العنصر، وهو لیس عقدا بل عهدا لأنه جاء من جانب واحد، وهو عهد أزلی لا ینقض، وأنه تنفیذا لهذا المیثاق أخرج الله العنصر العبری من مصر وأنقذه من فرعون، وأهلك أهل فلسطین من أجله وأسكنهم أرضهم وملكها لهم، وإذا كان هذا الملك قد أفلت فی عصر من العصور وآل للأمم، إلا أن هذا الملك لله أولا وأخیرا، ولقد قضی الله منذ الأزل أنه من نصیب شعبه، ومن ثم فلا خوف من ضیاعه، وهذا العنصر العبری المختار سیظل لذلك یتطلع إلی أن یعید الله هذا الملك لهذا الشعب كما قضی فی كتابه، وسیكون تطلع هذا الشعب لإعادة هذا الملك بكل عقله وقلبه، وإنه لا یشك للحظة إنه سیستعیده.

وهو لا بد مسترجعه. [9] .

واختلفوا فی المسیح المنتظر الذی سیستعید مملكة داوود وعاء عهد الله لإبراهیم، فزعم یهود السامرة أن المسیح سیكون من سبط یوسف علیه السلام، وزعم یهود أورشالیم أنه سیكون من سبط یهوذا من نسل داوود. [10] واتفقوا فی أحداث مجئ المسیح. وقالوا تطرح الأرض فطیرا وملابس من الصوف. وقمحا حبه بقدر كلاوی الثیران الكبیرة، وفی ذلك الزمان ترجع السلطة للیهود. وكل الأمم تخدم ذلك المسیح وتخضع له، وفی ذلك الوقت یكون لكل یهودی ألفان وثمانمائة عبد یخدمونه. وثلثمائة وعشرة أكوان تحت سلطته، ولكن لا یأتی المسیح إلا بعد القضاء علی حكم الأشرار. ولذلك یجب علی كل یهودی أن یبذل جهده لمنع امتلاك باقی الأمم فی الأرض، كی تظل السلطة للیهود وحدهم، لأنه من الضروری أن تكون لهم السلطة أینما



[ صفحه 104]



حلوا، فإن لم یتیسر لهم ذلك اعتبروا منفیین وأساری، وإذا تسلط غیر الیهود علی وطن الیهود. حق لهؤلاء أن یندبوا علیه ویقولون: یا للعار ویا للخراب ویستمر ضرب الذل والمسكنة علی بنی إسرائیل حتی ینتهی حكم الأجانب، وقبل أن یحكم الیهود نهائیا باقی الأمم یجب أن تقوم الحرب علی قدم وساق، ویهلك ثلثا العالم ویبقی الیهود سبع سنوات متوالیات یحرقون الأسلحة التی كسبوها بعد النصر... ویعیش الیهود فی حرب طاحنة مع باقی الشعوب فی انتظار ذلك الیوم، وسیأتی المسیح الحقیقی ویحقق النصر المنتظر ویقبل المسیح إذ ذاك هدایا جمیع الشعوب... وتكون الأمة الیهودیة یومئذ فی غایة الثراء.. وإن هذه الكنوز ستملأ بیوتا كثیرة لا یمكن حمل مفاتیحها وأقفالها إلا علی ثلاثمائة حمار، وتری الناس كلهم حینئذ یدخلون فی دین الیهود أفواجا.. ویتحقق أمل الأمة الیهودیة بمجئ المسیح. وتكون هی الأمة المتسلطة علی باقی الأمم عند مجئ المسیح. [11] .

وعلی امتداد المسیرة الإسرائیلیة، اكتسب التلمود فی نفوس الجماعات الإسرائیلیة قداسة وأهمیة تفوقان كل مقدس وكل تصور. یقول د. طعیمة: والتلمود من بین جملة المصادر الدینیة الإسرائیلیة قد أصبح التوراة المهمة فی عواطف القوم ومعتقداتهم، وهو جملة من القواعد والوصایا والشرائع والتعالیم الدینیة والأدبیة. والشروح والتفاسیر والروایات المتعلقة بدین وتاریخ وجنس إسرائیل علی مدی التاریخ، وكانت هذه التعالیم والقواعد والشرائع تتناقل وتدرس مشافهة من حین إلی آخر، ولما تعاظم شأن هذه التعالیم فی نفوس الجماعات الإسرائیلیة. وكثرة هذه التعالیم. قرر كبار الحاخامات أن یسجلوا هذه التعالیم حتی تضاف إلی ما لدیهم من نصوص أو مستندات، وبدأت عملیة التسجیل والتدوین



[ صفحه 105]



علی مراحل متعددة. وفی مواقع مختلفة. [12] .

والخلاصة: لقد ركبت المسیرة طریق الانحراف الذی سلكته الأمم الوثنیة، ومن هذا الطریق اكتسبت المسیرة مجموعة من النصائح الانفعالیة. طرحتها ثقافات لا تصیب أصحابها إلا بصدمات نفسیة، أو تجعلهم دائما وأبدا فی صراع نفسی غیر محسوم، وكان بین یدی المسیرة دوائر تبشیر ودوائر تحذیر. بینها الأنبیاء والرسل وهم یخبرون بالغیب عن ربهم، ومن دائرة التبشیر بشروا بمسیح تلده عذراء الزهد علامة من علاماته، ومن دائرة التحذیر حذروا من مسیح یخرج آخر الزمان فتنة للناس. معه ماء وطعام. وذهب وأهواء، ولكن دوائر التحذیر اختلطت بدوائر التبشیر. عندما بدأ القوم یحرفون النصوص. وعندما أنستهم مناهج المادة والحس حظا مما ذكروا به، فالتقطوا من بین الخلیط ما یتفق مع القاسیة قلوبهم. وعندما بعث النبی الخاتم صلی الله علیه وآله وسلم، أقام الحجة علی المسیرة البشریة، وأخبر أهل الكتاب بما كانوا یختلفون فیه، ولكن الذین كفروا منهم تكبروا وجادلوا فی آیات الله، قال تعالی:

(إن الذین یجادلون فی آیات الله بغیر سلطان أتاهم إن فی صدورهم إلا كبر ما هم ببالغیه فاستعذ بالله إنه هو السمیع البصیر). [13] قال ابن كثیر:

نزلت الآیة فی الیهود، وذلك أنهم ادعوا أن المسیح منهم وأنهم یملكون به الأرض، فأمر الله نبیه. أن یستعذ من فتنة الدجال [14] وقال فی المیزان:

أخبر سبحانه أن هؤلاء المجادلین لا ینالوا بغیتهم ولن ینالوا، وقال لرسوله. فلا یحزنك جدالهم، وحصر سبحانه السبب الموجب لمجادلتهم فی الكبر، یریدون به إدحاض الحق الصریح، وأمره الله أن یستعذ منهم بما لهم من كبر. كما استعاذ موسی من كل متكبر مجادل.



[ صفحه 109]




[1] الكنز المرصود في فضائح التلمود / د. محمد الشرقاوي ط مكتبة الوعي مصر ص 32.

[2] المصدر السابق ص 32.

[3] التراث الإسرائيلي / صابر طعيمة ص 401.

[4] الكنز المرصود ص 14.

[5] المصدر السابق 169.

[6] المصدر السابق ص 170.

[7] المصدر السابق 171.

[8] الكنز المرصود ص 190.

[9] المصدر السابق ص 84.

[10] نقد التوراة / حجازي السقا ص 168.

[11] الكنز المرصود ص 197.

[12] التراث الإسرائيلي ص 395.

[13] سورة غافر آية 56.

[14] تفسير ابن كثير 84 / 4.